* قصة القيم السعودية المنهارة
بقلم: د.عبدالله المهند
أذكر قبل حوالي خمسة عشر عاماً، أن الطالبات المحجبات في كلية الطب بجامعة الكويت، تعرضن لمحاولات منعهن من ارتداء الحجاب، فتوجهن بخطابٍ لإمام الأئمة الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ –رحمه الله- يطلبن منه التدخل لتصحيح الوضع.
في تلك الأيام القريبة العهد، كانت المواقف والفتاوى الشرعية الصادرة من هذه البلاد مرجعاً علمياً معتبراً ومعتمداً للناس في الخارجِ، وكانت الاستفتاءات تردُ إليها من كل حدبٍ وصوبٍ.
كان الموقف الشرعي في السعودية له أثرٌ بالغٌ لدى المسلمين في المشرق والمغرب. حتى الجاليات في البلاد الغربية والمراكز الإسلامية هناك، كان الموقف هنا يعني لهم الكثير. حتى فيما يتعلق بدخول شهر رمضان وخروجه.
*لم تكن فتاوى مؤسسة الإفتاء فقط تحظى بالاحترامِ. بل حتى الدعاة الذين يزورون المراكز الإسلامية في الخارج، كان لقدومهم من السعودية ثقل و وزنٌ، وإن لم تكن أسماؤهم معروفة. لكن كان اسم السعودية يعني نسبةً عالية من الثقة والأمان.
لم أستطع منع نفسي من تذكر تلك الأيام، وأنا أرى اجتهادَ صحافتنا في استيراد الفتاوى من الخارج لدعم بعض التوجهات المخالفة للوضع المحلي المحافظ في البلد.
كما لم أستطع منع نفسي من تذكر تلك الأيام، وأنا أقرأ بياناً يصدر من الكويت في استنكار تصريحات رئيس الهيئة بمكة المكرمة!!
كذلك.. لم أستطع منع نفسي من تذكر تلك الأيام، وأنا أقرأ تصريحات صادرة من مكتب مفتي روسيا، تستنكر فسوق الإعلامية السعودية المنحلَّة، التي ضجَّ أهل مصرَ من الاحطاط الذي وصلت إليه مقالتها التي لا تليق إلا بالعواهر الخلَّص.
*في مصر رفعت دعوى قضائية ضد المذكورة. أما في السعودية، بلد الشريعة، فبعد انطلاق حركة الإصلاح والتطوير والتنمية، أصبحت مثل تلك الكتابات تتمتع بالحماية التامة من سلطة القضاء، لأن الإصلاح في السعودية الآن يبنى فوق حطام الأخلاق.
مرت بي تلك الوقائع، وكنت قبل ذلك أتألم غاية الألم، كلما تذكرت أن بلدي تحولت في عصر الإصلاح والتنمية والتطوير إلى أكبر مسوِّق للعهر والانحطاطِ الفضائي العربي إلى أقطار العالم الإسلامي، بتعاون واضح مع المؤسسات الإعلامية الرسمية.
فنحن الآن بعدما أسسنا امبراطوريتنا الإعلامية المنحطة، بدأنا في إنتاج الكوادر الوطنية، فأصبح لدينا إعلامية وقحة، ورئيس هيئة يتمتع بدرجة عالية من الحمق والفسوق الذي ضج له عقلاء الكويت.
*
أدرك أن العلم والدين ليس حكراً على جنسياتٍ أو مناطق جغرافية، ففي الكويت ومصرَ رجالٌ، كما في السعودية رجالٌ. غير أني آسى على تراجع الدور القيادي العلمي والدينيِّ الذي كانت تحتله بلدي في العالم الإسلامي، بفضل جهودٍ داخليةٍ، وليس بسبب عداوة أو مكرٍ خارجي.
هل لضعف مؤسسة الإفتاء دورٌ؟
نعم..لكن ليس هذا أصل الإشكال.
بل الإشكال في ضياع نظام وقانون الأخلاق في البلد. زيادةً على انحراف اهتمامات ومعايير الأخلاق لدى شريحة واسعة من المسؤولين عن التوجهات الإعلامية. فالاهتمامات والأنظمة لم تعد موجهة لمحاربة الرذائل، بل أخذت في التحول لخدمتها والتمكين لها والتعاضد لإسقاط ما يقف في طريقها، سواء كانت هذه العثرة: جهازَ هيئة أو مؤسسة إفتاء، أو داعيةً مصلحاً أو مؤسسة خيرية، أو قناةً إسلاميةً، بل حتى لو كانت العقبة تتمثل في عضو لهيئة كبار العلماء.
*فكل شيء فيه رائحة دين أو فضيلة، لا بد أن يهاجم بضراوةٍ.
مكتب مفتي روسيا يستنكر تصريحات الإعلامية السعودية السافلة.
و الصحافة السعودية تم توجيهها لملاحقة فتيا عضو هيئة كبار العلماء الناصعة البياض. أو ابتكار قصة عن عضو الهيئة الذي سحب فتاة على وجهها بكورنيش الدمام! و وزراة الإعلام أتحفتنا الأسبوع الماضي بمنح تصريحٍ لمؤسسة (روتانا)، كي تبدأ بث قذارتها عبر الإف إم، لتنافس أختها في الفسوق (إم. بي. سي).
هناك إحصائية نقلتها الصحافة بكل برودٍ الأسبوع الماضي عن قضايا ضبطت في مركز واحد من مراكز الهيئة، تتعلق بحوادث خروج فتيات المدارس مع الأخدان. ففي فترة قصيرة محددة تم ضبط (91) طالبة ثانوي، (57) طالبة متوسط، (6) طالبات في الابتدائي!!!
هذا في مركز واحدٍ. وما لم يضبط أكثر.
*مراكز الرعاية الاجتماعية تستقبل يومياً وبانتظام أولاد الزنا الملقَين عند براميل النفايات.
وقد أخبرني صاحبي المستشار بوزارة الداخلية، عن قلق المسؤولين هناك، من توسعٍ ملحوظٍ في تجارة (الدعارة المنظمة) في البلد.
بعضُ قادة الرأي هنا فقد البوصلة، ولم يعد يعرف الفضيلة من الرذيلة. فبدل أن تدق نواقيس الخطر، نجد الإعلام كله موجه لمحاربة دعاة (الإصلاح الحقيقي).
حين أرى تراجع معايير الأخلاق في بلدي، وحين أسمع عن تتابع أخبار ضبط جرائم الأخلاق هنا أو هناك بالعرض. يقفز أمام عينيَّ بضعة أسماء أتمنى لو يتم تحضيرها بين يدي الشيخ سليمان الدويش كي يتعامل معها بطريقته الخاصة في الحوار.
لا أكتمكم، فبعض هؤلاء يشغل وظيفة رئيس تحرير.
منقول .. لعيون غالين