بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة لفضيلة الشيخ العلامه / عبدالله بن صالح القصير - حفظه الله - يرد فيها على من قال بإباحة الغناء , وأترككم مع كلمة فضيلته ... وهي من موقع فضيلته :
(( الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء عزة وحكمًا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علمًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يهدي مَن يشاء فضلاً، ويضلُّ مَن يشاء عدلاً، ويحول بين المرء وقلبه، وقد يزيغ قلب العبد بشؤم كَسبه.
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله المنزَّل على قلبه القرآن العظيم، المضاد للألحان والمزامير، والمتوعِّد لأهلهما بالعذاب المهين والأليم.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان، الذين كانوا أغلظ الأمة على أهل الفسق، وأشدهم عليهم بالصدع بالحق، وأبعدها عن مداهنة الخَلْق.
أما بعد:فإنه من الثابت المعلوم لدى عموم المسلمين: ما قرَّره أئمَّة الفقه في الدِّين، من حرمة الغناء وآلاته في الجملة، وأن أهل هذين المزمورَيْن مغموطون بالفسق والنفاق في السنَّة، وعلى ألسنة خيار الأمة، من لدن الصحابة والتابعين، وتابعيهم وأئمة الهدي والدين، من بعدهم وصالحي عامَّة المسلمين، إلى يومنا هذا، حتى ظهرت مقالة في أعقاب الزمن تُحِلُّ ذلك العَفَن، مخالِفةً لما عليه سلف هذه الأمة، الذين هم على خير هدي وسَنَن.
ومما استُدِلَّ به على تحريم الغناء وآلاته:قوله تعالى: ﴿
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 6-7]. وقد اشتهر عن أبن مسعود رضي الله عنه - وهو مَنْ هو في العلم بكتاب الله تعالى ومًراده، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه- قوله - رضي الله عنه - بعد أن تلا هذه الآية: "و
الله الذي لا إله غيره؛ إن هذه الآية في الغناء"! ثم قال: "الغناء يُنبِت النفاق في القلب، كما يُنبِت الماءُ الزرعَ".
ومما استدل به -كذلك -:تفسير بعض السلف صوت الشيطان في قوله تعالى: ﴿
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ [الآية من سورة الإسراء] بأنه الغناء والمزامير.
ومن أدلة تحريم الغناء وآلاته:ما خرجه البخاري - رحمه الله - في "
صحيحه" معلقًا مجزومًا به، وخرجه أئمة غير البخاري - رحمهم الله - مرفوعا صحيح الإسناد - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف"؛ الحديث. والاستحلال إنما يكون للشيء المحرَّم المعلوم التَّحريم، والحديث سِيقَ مَساق الخبر عمَّا سيكون في المستقبل، مع التحذير والذمِّ والوعيد لمُحِلِّه ومُسْتَحِلِّه.
في جملة أدلَّةٍ من الكتاب وصحيح وصريح السنة، وأثارٍ مستفيضة مشهورة معلومة عند فقهاء الأمة، تتضمن هذا المعنى بصريح العبارة أو واضح الإشارة، تلقاها أهل العلم بالقَبول، والاستدلال بها، والرَّدِّ على المخالِف.
والكلام المنقول عن السَّلف الصَّالح من الصحابة والتابعين، وأئمة الفقه في الدِّين، في ذمِّ الغناء وأهله وآلاته، وبيان مُضَادَّتهما للوحي المُنَزَّل، وهدي النبي المُرسَل، والإمام المُكَمَّل، صلى الله عليه وسلم – مستفيضٌ، تُغني شهرته عن ذِكره، فمن أراده وجده مَظَانّه، وإن عجز فليسأل أهل الفُتيا عمَّا أشكل عليه.
ومن أقرب ما أُلِّف في هذا بيان حرمة الغناء وآلاته: كتاب "
فصل الخطاب، في الردِّ على أبي تراب" للشيخ العلامة حموُّد بن عبدالله التويجري - رحمه الله تعالى - والذي قدَّم له سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن الباز رحمه الله؛ فإنه كافٍ وافٍ شافٍ في سرد الأدلة على حرمة الغناء وآلاته، وبيان وجه الدلالة منها، وتفنيد كلِّ شبهةٍ أدلى بها مَن يبيح الغناء وآلاته، وبيان أن القول بحرمة الغناء وآلاته هو قول جمهور فقهاء المِلَّة، وهو الذي عليه صالحوا عامَّه الأمَّة، وأنه لم يخالفهم في ذلك مَن يَعْتَدُّ المحقِّقون من علماء الأمة برأية، إما لمعرفتهم بجهله، أو لاتِّهامهم له بنفاقٍ أو هوًى قد أضلَّه.
والخير كلُّه في اتِّباع السَّلف الصالحين، من الصحابة والتابعين، وتابعيهم، وأئمة الهدى وخيار المسلمين، قال تعالى: ﴿
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾؛ فمَن أحبَّ أن يجمعهم الله بهم فليتَّبعهم بإحسان، ولا يقدح فيهم، ولا يَرُدَّ ما اتَّفقوا عليه من الحقِّ.
وبناءًا على ما سبق؛ فإن المقالة التي شاعت في هذه الأيام متضمنةً إباحة الغناء وآلاته - وكذلك ما قد يُنشر في معناها- فهي مقالة شاذَّة مردودة من وجوه:الأول: مخالفتها لنصوص الكتاب والسنَّة الواردة بشأن النهي عن اللغو واللهو وشهود الزور، ونحو ذلك من الباطل الذي الغناء وآلاته من بعض أفراده، التي فسرها الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون - رحمهم الله – به، وقد قال تعالى: ﴿
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
الثاني: مخالفتها لما أَطْبَقَ عليه جمهور علماء الأمَّة من لدن الصحابة والتابعين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى هذا الحين، من تحريم الغناء وآلاته.
فمقتضى هذه المقالة: أن هؤلاء الأئمة لم يفهموا النصوص، أو حمَّلوها ما لا تحتمل أوانهم، قائلون على الله بغير علم، وقد قال تعالى: ﴿
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ضَلَّ قومٌ بعد هدًى كانوا عليه؛ إلا أوتو الجدل في الدِّين)).
عليه؛ فلا يُستغرب الإصرار على الرأي الشاذِّ، والردَّ على مَن خالَفه، ولو كان جمهور علماء الأمَّة من الصحابة فَمَن بعدهم.
الثالث: مناصرةُ مضمونها لأهل الفِسق والفجور والنِّفاق والهوى، وتطمينهم على ما كانوا عليه من الفِسق والضَّلال، وتأمينهم من وعيد الله للعُصاة بالعقوبة على معاصيهم وفجورهم، وقد قال تعالى في التنزيل الحكيم، على لسان موسى - عليه السلام -: ﴿
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لعن الله من أوى مُحدثا))، أي: مَن نصر عاصيًا أو دافع عن معصية.
الرابع: أن قائل تلك المقالة يعلم هو وغيره أنه ليس معدودًا من أهل الاجتهاد والفتوى الذين يُعْتَدُّ برأيهم ويُصْدَر عنهم، ولاسيما في مقالةٍ خالف قائلها جمهور علماء وصالحي الأمَّة، وفتح بها على الناس باب شرٍّ وفتنة وشماتة.
الخامس: أنه لم يسبقه إلى ما أباحه من الغناء والمزامير وآلاته إلا من شَذَّ رأيُه، أو ضَعُفَ دليلُه أو عَقلُه، أو ساء فَهمُه للأدلَّة، أو نُسِبَ إلى هوى، أو رُمِيَ ببدعة، أو اشتُهر بشذوذٍ أو فِسقٍ، أو شخص لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، وإلا فإن نصوص الكتاب والسُّنة معصومةٌ من أن تَدُلَّ على إباحة الغناء وآلاته، الذّيْن هما من الباطل.
يعرف هذا كلُّ أحدٍ من أهل الفِطرة والدِّين، فإن نصوص الكتاب والسُّنة حقٌّ، ولا تهدي إلا إلى الحقِّ، ومعصومةٌ من أن تدُلَّ على باطلٍ أو تؤيِّد مَن يدعو إلى الباطل، فلا يُستدلُّ بها مُبطِلٌ على باطِلِه - وأن ظنَّ أنه مُحِقٌّ - فأنها عليه لا له، ولو سألتَ من الناس شخصًا سليم الفِطرة، صحيحَ الدِّين عن الغناء والمزامير:
أهُما من الحقِّ أم من الباطل؟ أجابك بَداهةً بأنهما من الباطل، كما استفتى رجلٌ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما - حَبر الأمَّة وتُرجمان القرآن - عن الغناء؛ فقال له ابن عباس: "
أهو من الحقِّ أم من الباطل؟" فقال: من الباطل؛ فقال له ابن عباس: "
اذهب؛ فقد أفتيتَ نفسَكَ" فإن الباطل وأهله في النار.
السادس: أنَّ أوَّل هذه الأمَّة إنما صلح بالعمل بالقرآن، وما جاء به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الهدى والبيان، وفيهما النهيُ عن اللَّغو ومُحرَّم اللَّهو، والمنع من قول الزُّور وشهود الزور – والذي الغناءُ والمزامير من أعظم أموره ووسائله، وذمُّ متعاطي هذه الأمور - والمقالة المردود عليها - تحض على هذه الأمور، وتغري أهلها بها، وتصرفهم عن التوبة منها والندم عليها، وذلك برهانُ شذوذها وبطلان مضامينها، ولن يُصلِح آخِرَ هذه الأمَّة إلا ما أَصلحَ أوَّلها.
وختامًا:فإني أحذِّرُ خاصَّة المسلمين وعامَّتهم من مضامين تلك المقالة الشاذَّة المردودة، وأنصحُ قائلها ومَن وافقه بالخوف من عقوبة الله - عزَّ وجلَّ - على ما نطق به لسانُه وخطَّه بنانُه، والمبادرة بالتوبة النَّصوح عن قرب، وإعلان الرجوع عن تلك المقالة، والإلحاح على الله تعالى بالاستغفار الصادق من ذلك الزَّلل، قبل مفاجأة الأَجَل، وأن يَسَعَه ما وسع السَّلف الصَّالح، وأن يطلب العافية، ولا يعرِّض نفسه للشَّماتة والزِّيغ.
وأذكِّر الجميع بقول الحق تبارك وتعالى: ﴿
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، وقوله تعالى: ﴿
فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه؛ فأولئك الذين سمَّى الله؛ فاحذروهم)).
هذا؛ وأسالُ الله تعالى أن يُزيدنا علمًا وهدى، وأن يؤتينا الحكمة والتقوى، وأن يوفِّقنا للحقِّ أينما كنَّا، وألاَّ يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن لا يشمت بنا عدوًّا ولا حاسدًا،، أمين.
إلا هل بلغت، اللهم فاشهد... وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه.)
قاله وكتبه الفقير إلى عفو ربه القديرعبدالله بن صالح القُصَيّرمستشار متقاعد – وزارة الشؤون الإسلامية 15/7/1431هـ منقوًلً لآنيَ حبيتَ آفهمَ الليَ يقولوً إنهآ حلآلً